أياً كان الرأى فيما قاله الزعيم الليبى معمر القذافى فى ذكرى المولد النبوى الشريف يوم ٢٥/٢/٢٠١٠ عن عنصرية سويسرا وضرورة مقاطعتها، وأياً كان الموقف السياسى من الرجل ونظامه، اختلافاً أو اتفاقاً، فنحن إزاء قضية صحيحة وعادلة، ولا ينبغى السخرية منها أو التقليل من شأنها، إننا إزاء دولة أوروبية اشتهرت بالديمقراطية والحياد طيلة تاريخها، وفجأة تنقلب على هذا التاريخ وتستخدم سلاح الديمقراطية أسوأ استخدام لتحوله إلى عنصرية تجاه الآخر، خاصة من مواطنى تلك الدولة، من المسلمين الذين يشكلون جزءاً رئيسياً من النسيج الاجتماعى للمجتمع السويسرى، الذى اشتهر بالتنوع والثراء الإنسانى وقبول الآخر.
القضية بدأت بدعوة من حزب يمينى لاستفتاء على حظر بناء المآذن فوق المساجد بسويسرا، فى الوقت الذى لا يطبق فيه القرار أو طلب الاستفتاء على المعابد اليهودية أو الكنائس المسيحية، وجاءت نتائج الاستفتاء (نهاية العام الماضى ٢٠٠٩) لتمثل صدمة للضمير العالمى الحر، ومخالفة للمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، حيث وافق قرابة الـ(٦٠%) من الشعب السويسرى على هذا القرار العنصرى، والذى تغطى زيفاً بالتقاليد والآليات الديمقراطية، وحتى القضاء السويسرى رفض الطعن عليه، إنها الديمقراطية الغربية، والتى يبدو أنها لا تستخدم إلا تجاه كل ما يضر أو يسىء للإسلام والمسلمين، صحيح أن بعض فرق المسلمين المتشددة تسبب فى هذا الخوف من الإسلام، ولكن هذا ليس هو السبب الرئيسى لهذه الهجمة المنظمة على الإسلام ورموزه، دعونا نسجل ما يلى:
أولاً: لا ينبغى أن يهون البعض (من أسرى الديمقراطية الغربية) من المنزلة التاريخية للمئذنة بالنسبة للمسجد، فهى ليست فحسب جزءاً من معماره الذى لا يعرف المسجد إلا به ولا يقام الآذان إلا من خلاله، ولكنها أضحت شعيرة وفقاً لآراء الفقهاء الثقاة من شعائر إقامة الصلاة فى المسجد، والذى لن تتم التفرقة بينه وبين المصنع أو المدرسة أو المنزل إلا بالمئذنة، سواء فى سويسرا أو غيرها،
ومن ثم يصبح الاعتداء عليها بالمنع اعتداء ضمنياً على (الآذان) وبالتبعية على الصلاة كأحد أركان الإسلام، والاعتداء بهذا الشكل الديمقراطى الزائف، لا مبرر أخلاقى أو سياسى له، خاصة وسويسرا ـ تحديداً ودون باقى دول العالم الغربى لم يهددها بن لادن ولم يتم ـ حتى الآن على الأقل ـ تهديد رجال الأعمال ولصوص المال العربى والإسلامى الذين يودعون أموالهم ببنوكها حتى يسحبوها، ولم يصدر ـ حسب علمى تهديد ما (لا هزلى ولا جدى) من المحجبات أو غلاة الإسلاميين حتى تضعهم فى الملصقات التى تستفتى على حظر بناء المآذن على هيئة صواريخ وقنابل!!.
ثانياً: عندما تعتدى إسرائيل على المسجد الأقصى، وتمنع الصلاة وتعتدى على الحرم الإبراهيمى، وتضمه إلى ملكية الكيان الصهيونى، فهل تختلف فى سلوكها الإجرامى هذا عن سويسرا؟! سيرد البعض من المنبهرين بديمقراطية الغرب، أن الأمرين مختلفان، وأن سويسرا لم تمنع الصلاة ولم تهود الأرض، بل تمارس الديمقراطية على أرضها، ونرد بأن الأمر بدأ بالمآذن والآن ـ وبنفس الأساليب الديمقراطية التى لا تستخدم إلا على المواطنين المسلمين هناك ـ يتم الاستفتاء على منع بناء المساجد ذاتها.
ثالثاً: أمام هذا الواقع الجديد، الذى يتعرض فيه الإسلام ورموزه لعنصرية إسرائيلية جديدة فى سويسرا، تمهيداً لإشاعتها وتعميمها فى الغرب كله، نسأل ما العمل؟ الإجابة فى ظنى تكون بإظهار روح المقاومة والتحدى، وعدم التقليل من خطورة السلوك العنصرى للأحزاب اليمينية والحكومة السويسرية، وعندما يترجم هذا، يكون على الأقل بإشهار سلاح المقاطعة للبضائع السويسرية مثلها مثل الإسرائيلية، والتهديد الجدى بسحب الودائع من بنوكها، وهذا أضعف الإيمان.